مقالات

عباس الموتور بالخيانة يطالب حماس بإلقاء السلاح

بقلم توفيق المديني

على نقيض كل هذه الانتظارات الاستراتيجية للشعب الفلسطيني، قال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس: إنَّ “حماس” تسببت في “نكبة” للفلسطينيين، وطالبها، بعبارات مصحوبة بشتيمة، بـ”تسليم الرهائن الإسرائيليين”، وتسليم سلاحها للسلطة والتحول إلى حزب سياسي. ووصف الشهداء “بالقتلى”، وأبطال المقاومة الفلسطينية بـ “أولاد الكلب”. واللافت أنه لم يعترض من الحاضرين في اجتماع المجلس المركزي للمنظمة، ولم يتم تسجيل حالة انسحاب واحدة احتجاجاً على هذه الشتيمة.

وتغيب عن جلسة افتتاح المجلس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، و”حماس” و”الجهاد الإسلامي” وفصائل أخرى، وسط جدل حول أهمية الاجتماع الهادف إلى تجسيد الوحدة الوطنية، خصوصاً أن الدورة الحالية ركزت على استحداث منصب لنائب رئيس منظمة التحرير، دون أن يكون هناك أي قرارات مصيرية تتعلق بحرب الإبادة الأمريكية – الصهيونية على غزَّة.

واعتاد الفلسطينيون في كثير من المرات على لغة الانتقادات الحادة المتبادلة ما بين “فتح” و”حماس”، ولكنَّها ربما المرَّة الأولى التي يجري إطلاق شتائم وغيرها من المصطلحات غير المعتادة في إطار الخطاب الذي ألقاه الرئيس الفلسطيني محمود عباس. ورأى كتاب ومحللون أن الخطاب بهذا الشكل كان “مسيئاً” إلى كل الفلسطينيين رغم الخلافات السياسية ما بين “حماس” و”فتح”.

وبالمقابل شنّ القيادي في حركة “حماس” وعضو مكتبها السياسي، الدكتور باسم نعيم، هجوماً لاذعاً على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، متهماً إياه بالتطاول على شريحة واسعة من أبناء الشعب الفلسطيني، وبالاستمرار في انتهاك شرعية التمثيل الوطني الفلسطيني.

خيار الكفاح المسلح السبب الرئيس في الانقسام الفلسطيني التاريخي

إن حالة الانقسام الحادة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، أسهمت في إضعاف الوضع الفلسطيني في مواجهة العدو الأمريكي- الصهيوني. فنحن إزاء “سلطتين فلسطينيتين” منقسمتين ومتمايزتين، الأولى في الضفة الغربية وتحظى بالدعم الدولي والإقليمي، ولكنَّها في خدمة الاحتلال الصهيوني، بل تحولت إلى حارس أمين تطارد المقاومين الفلسطينيين الذين يساندون إخوتهم في المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس في غزة، والثانية سلطة المقاومة في غزة التي تتعرض للحصار والتجويع، وحرب الإبادة من جانب جيش الاحتلال الصهيوني. شكل اتفاق أوسلو قطيعة تاريخية بين مرحلتين في سيرورة النظام الفلسطيني، والنضال الفلسطيني في آن معاً.

المرحلة الأولى: هي المرحلة التي انطلقت فيها الثورة الفلسطينية المعاصرة في العام 1965، والتي تشكلت فيها المعالم الرئيسة للكيانية الفلسطينية، وللنظام السياسي الفلسطيني، من خلال الإعلان عن تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، التي أصبحت الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في القمة العربية التي عقدت في الرباط عام 1974. وبهذه الصفة التمثيلية تمكنت المنظمة من الحصول على اعترافٍ دوليٍّ بها، فأصبحت عضواً في جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها من المنظمات الإقليمية، وعضواً مراقباً في هيئة الأمم المتحدة. وأصبح لها أكثر من مائة سفارة ومكتب تمثيل في العالم، بل إنه على أثر الصدامات الدموية بين الجماهير الفلسطينية في الأراضي المحتلة وقوات الاحتلال في يوم الأرض 30مارس 1976 صدر بيان عن فلسطينيي الخط الأخضر أي سكان الـ 48 الذين يحملون الجنسية “الإسرائيلية” (حوالي مليون و400ألف فلسطيني) يعلنون فيه أنَّ المنظمة تمثلهم أيضاً.

ومن هذه الصفة التمثيلية لم تغلق المنظمة أبوابها أمام أي فلسطيني أو فصيل فلسطيني يسعى للنضال من أجل التحرير بل ذهب ميثاق المنظمة أبعد من ذلك معتبراً أنَّ أي فلسطيني هو تلقائياً عضو في المنظمة وهو أمر قد يبدو متناقضاً مع مبدأ حرية الانتماء ولكن يمكن تفهم هذا الأمر إذا عرفنا أن المنظمة لم تضع شروطاً للانتماء لها. فنصت المادة 4 من الميثاق على ما يلي: “الفلسطينيون جميعاً أعضاء طبيعيون في منظمة التحرير الفلسطينية يؤدون واجبهم في تحرير وطنهم قدر طاقاتهم وكفاءاتهم والشعب الفلسطيني هو القاعدة الكبرى لهذه المنظمة”.

وبقيت منظمة التحرير الفلسطينية، وفي القلب منها حركة فتح، رائدة للعمل الوطني الفلسطيني، إلى أن جاء التحول التاريخي مع ظهور الحركة الإسلامية الجهادية في فلسطين مع انطلاقة الانتفاضة الأولى في9 ديسمبر 1987، حيث لعبت حركة الجهاد الإسلامي دوراً أساساً في تفجيرها. فقد تشكلت الحركة الإسلامية الجهادية من الأساس كمنظمة فلسطينية انبثقت من الواقع الفلسطيني، وكانت ضرورة وطنية وضرورة إسلامية. وكانت حاجة فلسطينية بالدرجة الأولى، أي أنها تنظيم فلسطيني نشأ على خلفية اجتهاد وقناعة الطليعة المؤسسة لقتال المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، أي أنها ليست امتداداً لأي تنظيم خارج فلسطين. وحددت لنفسها هدفاً محدداً في البداية بأن تؤسس لخط الكفاح المسلح إسلامياً على أرض فلسطين تحديداً، وأن تتحمل تكاليف هذه المبادرة وتبعاتها على كل المستويات.

التناقضات المستعصية بين المنظمة والسلطة والحركة الإسلامية

كانت حركة الجهاد الإسلامي تستلهم تجربتها من الثورة الإسلامية في إيران التي قلبت الموازين على كل الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية، وشملت آثارها كل المجالات السياسية والاقتصادية والدولية، والعسكرية والثقافية والاجتماعية والحضارية وغيرها، ويبقى أهم إنجاز للثورة وهو تأسيس الجمهورية الإسلامية وإقامة النظام الإسلامي ما بعد سنة 1979.

في تلك الفترة، التي فجرت فيها حركة الجهاد الإسلامي الكفاح المسلح في فلسطين المسلح سنة 1986، لم تكن حماس كحركة مقاومة قد تأسست.. كان هناك الإخوان المسلمون كامتداد لحركة الإخوان العالمية. ثم انطلقت حركة حماس في المقاومة الجهادية عام 1988، وهي الحركة التي وُلِدت من رحم الإخوان المسلمين الموجودين في فلسطين منذ ثلاثينيات القرن العشرين، والتي تتمتع بعمق عربي وإسلامي من خلال الانتشار العالمي لحركة الإخوان المسلمين، الذي وفر لحركة حماس إمكانات هائلة وأشكال مختلفة من الدعم غير المتوفر لحركة الجهاد الإسلامي.

تعود الجذور التاريخية للخلافات بين السلطة الفلسطينية المنبثقة من اتفاق أوسلو، وبين حركة حماس، إلى عقد الثمانينيات من القرن الماضي، حين كان الخلاف متمحوراً على دور منظمة التحرير الفلسطينية وبرنامجها. بداية لم تكن حركة حماس، ولا حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، عضوين في منظمة التحرير الفلسطينية، ولم تشاركا في صياغة ميثاق المنظمة، ولهما عليه تحفظ عام هو إغفاله للبعد الإسلامي للقضية، ونزوله من ميثاق قومي إلى ميثاق وطني ينحصر في الإقليمي الضيق.

وبعد توقيع اتفاق أوسلو، رفضت حركة حماس الاعتراف بالسلطة بداية ثم قبلت بها كأمر واقع من دون أي تعاون يذكر، وهي أساساً لم تكن راغبة بالانضواء في النظام السياسي الذي تمثله منظمة التحرير الفلسطينية، بل وقفت موقفاً معادياً من السلطة وبذلت كل ما من شأنه أن يعيق عملها أو يسيء لسمعتها. وسنلاحظ لاحقاً كيف غيرت حماس موقفها من المشاركة في النظام السياسي وفي السلطة عندما دخلت الانتخابات التشريعية وأصبحت هي السلطة.

ومنذ توقيع اتفاق أوسلو، أصبح النظام السياسي الفلسطيني في ظل سلطة الحكم الذاتي يعيش علاقة ملتبسة وشائكة ما بين المنظمة والسلطة، وتفاقمت هذه الإشكالية مع تعزيز نفوذ حركة حماس في غزة. ومن العوامل التي زادت في احتداد التناقضات بين السلطة وحركة حماس، وزيادة الطين بلّة، كما يقال، يمكن إدراج أبرزها كما يلي:

1- رحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، الذي جاء في ذروة انهيار السلطة، وفي ذروة بروز مراكز قوى متعددة في الحالة الفلسطينية كلها وفي حركة “فتح” بالذات.

2- مجيء محمود عباس (أبو مازن) إلى موقع رئيس السلطة الفلسطينية، بينما لم تعد هناك سلطة لا أمنياً ولا إدارياً ولا سياسياً، وتحول الوضع الفلسطيني كله إلى ما يشبه الجُزر المتباعدة التي تعم كل واحدة منها الفوضى ويختلط فيها الحابل بالنابل، حيث لم يعد هناك لا ضبط ولا ربط، ولم يعد بإمكان أي مسؤول ممارسة صلاحياته ومسؤولياته وإن بهوامش محدودة جداً. ومنذ زمن طويل والقادة التاريخيون لـ‏ “فتح” ‏‎وعلى رأسهم الرئيس محمود عباس، موقنون أن بقاء المقاومة الفلسطينية المسلحة بقيادة حماس تعني موت السلطة الفلسطينية ونهاية دورهم القيادي.

ولا يزال الرئيس محمود عباس، يعيش على الوعود “الوهمية” الأمريكية، من دون أن يستخلص الدروس التاريخية من الوعود الكثيرة السابقة، ولاسيما منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، وملحقاته. فالسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، ومنذ أن حسمت حركة “حماس” الوضع في قطاع غزة باللجوء للخيار العسكري، والذي أفضى إلى سيطرتها المطلقة على القطاع، باتت مصالحها تلامس مصالح الدولة الصهيونية، باعتبارها سلطة فاسدة ومستبدة، وخائنة للشعب الفلسطيني.

وتقتضي المصلحة الصهيونية، تعميق هوة الشقاق بين طرفي السلطة الفلسطينية  (دولتي غزة والضفة “الوهميتين”)، للقضاء على أي أمل في عودتهما إلى طاولة الحوار، مستخدمة في سبيل ذلك سياسة الترغيب والترهيب، عبر بيع الوهم للرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه بمقدار بُعْدِهِ عن حركة “حماس” سيقترب منها ومن تحقيق حلم الشعب الفلسطيني في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، فيما عودته إلى الحوار مع “حماس” تعني القضاء على فرص التسوية السياسية، وهي التسوية التي لن تكون دولة الاحتلال يوماً على استعداد لدفع الثمن من أجل الوصول إليها، ويقتصر هدفها من هذه المماطلة على تعميق الفجوة في العلاقات الفلسطينية الداخلية، من أجل ضمِّ الضفة الغربية، وتهجير فلسطينيي غزة، وإقامة الدولة الفلسطينية في الأردن باعتباره الوطن البديل.

 لهذا السبب بالذات أصبح النظام الأردني منذ انطلاقة عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، خائفاً على عرش الملك عبد الله من الإطاحة به، والقضاء على المملكة الأردنية الهاشمية، في ظل العواصف الهوجاء التي أطلقتها ماكينة حرب الإبادة الأمريكية – الصهيونية، التي تغير الآن جذرياً من خريطة الشرق الأوسط، وكان آخر ضحاياها سقوط نظام الأسد في سوريا، إذْ تمَّ التخطيط له مسبقاً من قبل تركيا، التي تحالفت مع المعارضة المسلحة، بعد أن شكل إضعاف حزب الله فرصة ذهبية للإطاحة بالأسد، وهو ما حدث بالفعل. أما الكيان الصهيوني ذاته ففكر بطريقة ضيقة، للقضاء على بقايا أسلحة الجيش السوري، ورغبة بالتباهي بإنجازاته اندفع دون أي تفكير استراتيجي، من خلال التقاط نتنياهو صورة له على قمة جبل الشيخ.

 فقد أعادت تركيا بناء مجال نفوذها الإقليمي وبضوء أخضر من الرئيس الأمريكي ترامب، وأصبحت ذات وضع إقليمي سياسي وعسكري في سوريا والمنطقة، وبات الكيان الصهيوني عبارة عن شركة سياحية للمستوطنين، وكل واحد ومصالحه الإقليمية، مع العلم أنَّ الخطة التركية أكبر بكثير، وليس فقط في سوريا، بل استراتيجية عثمانية جديدة سنية إقليمية، تشمل العراق، ولبنان لاحقاً، وربما الأردن.

وتقف الأنظمة العربية الآن في نفس خندق الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني وسلطة عباس من أجل القضاء على حركة حماس، وحزب الله، والحوثيين في اليمن، باعتبارهم فصائل مقاومة مرتبطة بإيران، لا تزال تشهر السلاح في وجه معسكر أعداء الأمة. 

خاتمة

إن منظمة التحرير الفلسطينية، على الرغم من تصاعد حرب الإبادة الأمريكية – الصهيونية على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والقدس، منذ أكثر من عام ونصف العام، لم تبادر إلى تفعيل هيئاتها أو اتخاذ خطوات جدية لإعادة بناء مؤسساتها بما يواكب حجم التحديات التي يواجهها الشعب الفلسطيني. وجاء تعطيل مخرجات لقاءات الوحدة الوطنية، مقابل الدعوة إلى انعقاد المجلس المركزي، استجابة لضغوط خارجية تهدف إلى تعديل النظام الداخلي باستحداث منصب نائبٍ لرئيس اللجنة التنفيذية، في مخالفة صريحة للنظام الأساسي الذي يحصر صلاحية التعديل بالمجلس الوطني فقط.

فالمؤتمر الوطني الفلسطيني يرفض أي تغييرات في عضوية المجلس المركزي، دون مصادقة المجلس الوطني، ويرى أن انعقاده في ظل ضغوط خارجية يمثل محاولة لشرعنة تغييرات تهدف إلى تقويض حق الشعب الفلسطيني في المقاومة، وتطويع النظام السياسي لقبول واقع استعماري استيطاني صهيوني دائم. ولا يزال عباس وفريقه من الفلسطينيين المرتبطين بسلطة الاحتلال الصهيوني يرفضون الدعوات العاجلة لإنقاذ المشروع الوطني الفلسطيني، وتشكيل قيادة وطنية موحدة، وإعادة بناء منظمة التحرير على أُسس ديمقراطية فلسطينية شاملة، تبدأ باستنهاض الحالة الوطنية والجماهيرية داخل الوطن والشتات، لحماية الشعب وقضيته وأرضه، وتوفير مقومات إنجاز مهمات التحرر الوطني.

‏السلطة الفلسطينية الفاسدة والمستبدة، لم تر أنَّ المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس انتصرت على الكيان الصهيوني في عدة مستويات في فترة قصيرة من الزمن: أولها تنفيذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، وثانيها جرّ جيش الاحتلال الصهيوني إلى غزَّة دون أن يكون مستعداً لها، وثالثها منع القضاء عليها على يد أحد أفضل الجيوش في العالم، ورابعها جرّ الاحتلال للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لارتكابها جريمة إبادة جماعية، وخامسها نجحت بوضع القضية الفلسطينية على الأجندة العالمية، وسادسها جعلت الصهاينة غير مقبولين في نظر أجزاء واسعة من العالم.

خيارات ترامب ونتنياهو تجاه الشعب الفلسطيني هي خيارات تجاه الأمة العربية من محيطها إلى خليجها، المذابح وحرب الإبادة التي ترتكب يومياً في فلسطين بإجازة ضمنية من واشنطن، يجب أن تكون المعيار لحقيقة الديمقراطية الأمريكية المزعومة، والتي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، كمدخل للعبور إلى القضاء على كل الدول الوطنية العربية، وبسط سيطرتها بصورة كاملة على العالم العربي، كي تدور البلدان العربية المجزأة كلها في فلك الهيمنة الأمريكية المطلقة، وتنحني أمام آلة القتل والتدمير الصهيونية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *