حوادث السير باتت كالخبز اليومي للمواطن اللبناني، فلا يمر يوم إلا وتعلن غرفة التحكم المروري حصيلة الحوادث، إلى جانب بيانات منظمة الـ Yasa حول المخالفات المتكررة.
فالقيادة في لبنان لم تعد مجرد مهارة، بل تحولت إلى اختبار للبقاء على الطرقات، يصفها البعض بـ”طرقات الموت” أو “مصائد الموت”.
وسط هذه البيئة المأساوية، أثار المقترح الذي قدمه النائب بلال الحشيمي، بتخفيض سن رخصة القيادة من 18 إلى 16 سنة جدلا واسعا، الا انه يقترن بشروط صارمة لضمان السلامة العامة والانضباط المروري. ويوضح الحشيمي إلى أن “كثيرا من المراهقين يقودون اليوم من دون رخصة، بعضهم إلى مدارسهم وآخرون سرا بسيارات أهلهم، ما يعرضهم وغيرهم للخطر”، ومن هنا، جاء اقتراحي لتقنين الواقع بدل تركه في الفوضى، عبر منح رخص مؤقتة لمن هم في سن 16 ضمن ضوابط صارمة”، وشدد على أن “أي مخالفة تستوجب سحب الرخصة حتى بلوغ 18 عاما”.
ويهدف القانون إلى “إعداد سائقين أكثر وعياً ومسؤولية، وضبط واقع القيادة في لبنان لبناء طرقات أكثر أمانا، وتحويل علاقة المراهقين بالقوى الأمنية من هروب إلى احترام وانضباط”، وفق الحشيمي.
يشار إلى أن القانون اللبناني الحالي، يسمح باستخراج رخصة قيادة للسيارات اعتبارا من عمر 18 سنة، بعد اجتياز سلسلة من الاختبارات النظرية والعملية، تشمل فحصا على قواعد السير، مهارات القيادة، واختبارات عملية على الطرقات العامة.
بين مؤيد ومعارض
يواجه هذا المقترح انقساما بين من يعتبره فرصة لتخفيف الضغط على الأسر وتمكين الشباب، وبين من يراه خطوة محفوفة بالمخاطر، قد تزيد من أعداد الحوادث على طرقات مليئة بالاختناقات والفوضى المرورية.
تفاوتت ردود فعل اللبنانيين حول مقترح تخفيض سن رخصة القيادة إلى 16 سنة بين التأييد المشروط والرفض القاطع.
يقول ايلي “أنا مع الفكرة إذا كان هناك إشراف جدي من الأهل والدولة، بنتي بتروح على مدرسة بعيدة، وما في نقل عام، فالرخصة بتساعدها بس لازم يكون في تدريب طويل وشروط قاسية ، ومراقبة من القوى الأمنية”.
أما رنا وهي أم لطفلين فترى أن الخطوة “مش في وقتها”، مضيفة: “نحنا بلد في طرق محفرة وسواقة عشوائية، إذا الكبار عم يعملوا حوادث، شو بيكون مصير الشباب”؟
ويرى علاء وهو سائق تاكسي في الخمسين من عمره، أن “الطرقات مش ناقصة سواقين جداد”، مضيفا “بدل ما ينزلوا السن، خليهم يضبطوا الرخص المزورة ويصلحوا الطرقات”. جاد 16 عاما، طالب ثانوي متحمس للفكرة ، ويعتبرها “فرصة للاستقلالية، بدنا نثبت إنو جيلنا واعي ومسؤول، أنا بتمرن مع والدي، وأرى أن القيادة ليست صعبة إذا كان لدى الواحد وعي”.
شباب سن 16 لا يُقدرون المخاطر
يشدد خبراء علم النفس والتربية على أن “تجربة القيادة المبكرة ربما تشجع الشباب على تحمل المسؤولية مبكرا، إذا تم تأطيرها بشكل سليم، لكنها ليست حلا سحريا لمشكلة الحوادث المستمرة”، وأضافوا “سن 16 لا يعني بالضرورة نضجا كافيا للتعامل مع مسؤولية القيادة على الطرقات اللبنانية المعقدة، فالمراهقون في سن 16 يتمتعون بطاقة كبيرة وحماس، لكنهم غالبا يفتقرون إلى القدرة على التقدير الواقعي للمخاطر، واتخاذ قرارات سريعة تحت الضغط، خصوصا في مواقف مفاجئة على الطرقات”.
الضوابط
يشار إلى أن الرخصة المؤقتة والمشروطة ضمن هذا القانون، تمنح وفق ضوابط محددة أبرزها:
– اجتياز دورة تدريبية إلزامية في مدرسة معتمدة لتعليم القيادة.
– خضوع الطالب لامتحان نظري وعملي تحت إشراف هيئة إدارة السير.
– قيادة المركبة فقط بوجود مرافق راشد، يحمل رخصة منذ أكثر من 5 سنوات.
– تقييد الرخصة بفئات محددة من السيارات الصغيرة وبمنع استخدامها على الطرق الدولية والسريعة.
– فرض نظام نقاط صارم يسحب الرخصة فور أي مخالفة جسيمة.
– صلاحية الرخصة سنة واحدة، تُجدد وفق سجلّ السلوك المروري للطالب”.
الإيجابيات المحتملة
تشير بيانات غرفة التحكم المروري إلى أن الحوادث التي تشمل السائقين الشباب دون 20 عاما، تمثل نحو 18% من مجمل الحوادث السنوية، مع ارتفاع ملحوظ في الحوادث الليلية وحوادث الانحراف عن المسار، وأكدت تقارير الـYasa أن أغلب هذه الحوادث ناجمة عن السرعة الزائدة، فقدان التركيز، وعدم احترام إشارات السير.
خبراء المرور أكدوا على “ضرورة التوازن بين تمكين الشباب وضمان السلامة العامة:، وأشاروا إلى أن “الخبرة العملية أكثر أهمية من العمر، وأي تخفيض للسن يجب أن يقترن ببرامج تدريبية صارمة ،ومراقبة دقيقة على الطرقات”.
وأشاروا إلى أن الإيجابيات المحتملة لتخفيض سن رخصة القيادة تتجلى في عدة جوانب: أولها تقليص القيادة غير الشرعية عبر احتواء الشباب قانونيا، بدل تركهم يقودون دون رقابة، وتعزيز ثقافة السلامة المرورية من خلال تأسيس جيل جديد من السائقين الواعين منذ سن مبكرة، بالإضافة إلى خلق فرص عمل جديدة ، من خلال تطوير مدارس تعليم القيادة وبرامج التوعية المرورية، فضلاً عن محاكاة تجارب دولية ناجحة مثل كندا وفرنسا وألمانيا، التي تسمح بالقيادة تحت التجربة ابتداءً من 15 أو 16 سنة.
سلبيات ومخاوف
ومع ذلك، ثمة سلبيات ومخاوف محتملة ترتبط بهذا الاقتراح، أبرزها عدم جاهزية البنية التحتية حيث يشير النقاد إلى أن لبنان لم يطور بعد قانون السير بما يحقق المعايير المثلى في تعليم القيادة، وارتفاع نسبة الحوادث بين الشباب الذين يشكلون الفئة العمرية المستهدفة، بالإضافة إلى مخاوف من التنفيذ غير الفعال نتيجة عدم قدرة الدولة على تطبيق الضوابط بشكل صارم، ما يجعل من الضروري الجمع بين الفوائد المحتملة وبين إجراءات رقابية صارمة لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.
وفي هذا الإطار، شدد رئيس الأكاديمية اللبنانية الدولية للسلامة المرورية كامل إبراهيم، على أنه “لا يمكن خفض سن الحصول على رخصة القيادة إلى 16 عاماً في لبنان، قبل تطوير قانون السير بما يضمن معايير التعليم والكفاءة المطلوبة”، واكد أن “الخطوة ستكون خطيرة في ظل غياب أسس السلامة المرورية الحقيقية”، ودعا إلى “التركيز أولاعلى اقتراح قوانين تعزز السلامة، وتطوير وسائل النقل المشترك لتوفير بدائل عن قيادة السيارة، بدلا من منح الرخصة لمراهقين يفتقرون إلى الخبرة اللازمة، ما قد يزيد الفوضى والمخاطر على الطرقات”.
مَن يحمي الشباب المتحمّس؟
يشار إلى أن دولا مثل الولايات المتحدة وكندا وألمانيا تسمح بالحصول على رخصة القيادة الجزئية في سن 16، لكنها تربط ذلك بـ:
– برنامج تدريبي صارم.
– قيود على القيادة ليلاً.
– حظر نقل الركاب الأقران لفترة محددة.
– عقوبات مشددة على المخالفات.
وهذه التجارب أظهرت أن التدريب المكثف والقيود التدريجية يقللان من المخاطر، لكن يبقى مستوى الحوادث أعلى مقارنة بالسائقين البالغين.
وبحسب إحصاءات القوى الأمنية سجل النصف الأول من العام 2025 نحو 6،000 إصابة و207 ضحايا، مقارنة بـ5،400 إصابة و154 ضحية في الفترة نفسها من العام 2024، ما يعني ارتفاعا بنسبة 34% في عدد الضحايا و11% في عدد الإصابات، هذه الأرقام الصادمة تؤكد أن الطرقات اللبنانية تشهد تنامياً مضطرداً في الحوادث.
في ظل الطرقات اللبنانية المعقدة والفوضى المرورية المستمرة، يبقى خفض سن رخصة القيادة من 18 إلى 16 سنة قضية حساسة تتطلب توازناً دقيقاً بين تمكين الشباب وضمان السلامة العامة.
ويبقى السؤال الأهم: هل ستكون الدولة قادرة على حماية الشباب ؟ أم أن الطريق إلى رخصة مبكرة سيصبح مجرد اختبار إضافي، للبقاء حياً على “طرقات الموت”؟