أخبار لبنان

صخرة الروشة: الرمز والأيديولوجيا في زمن الإخضاع

رغم ظهور الأحداث التي دارت حول مسألة إضاءة صخرة الروشة، ظاهرياً، كـ«مناكفة سياسية»، إلا أنها تمثّل إضاءة على التناقضات الكامنة في بنية النظام اللبناني، أي تلك التي لا تُرى فقط بالعين والملاحظة، بل يتمّ إنتاج المعرفة بها عبر التحليل والحدث والصراع.

كما أني لا أقصد بالنظام اللبناني «السلطة السياسية»، كما هو سائد باللغة السياسية اليوم، بل النظام الاجتماعي-السياسي ككلّ والعلاقة التفاعلية ما بين السلطة والمجتمع. فهذه الإضاءات التي تحدث بين الحين والآخر تسمح في انكشاف عمق هذه التناقضات في المجتمع ودورها الكبير في تسيير حياتنا اليومية.

وفي سياق سعي العدو الصهيوني إلى الاستثمار في تلك التناقضات لتصبّ في أهدافه التوسّعية، تصبح مسألة تحليلها فعلاً تحرّرياً بما يهدف لتجاوزها وتفكيكها.

بالأخصّ أنّ تلك الحادثة بالذات، تأتي ضمن ممارسات تلعبها السلطة في الحالتين، إن كانت واعية لممارستها أو انفعالات لا واعية وغير متوازنة، فيبقى دورها الوظيفي يصبّ في تعميق الانقسام.

وهذا ما يترك تداعيات خطيرة، بالأخصّ في حال الحرب الدائمة، لتفتح إشكاليات على السلطة السياسية ما إن كانت تلك الممارسات تأتي عن سابق تخطيط وإرادة في تعميق هذا الانقسام، إذ كيف يمكن فهم انفعال الحكومة في ما اعتبرته تعدّياً على قرارها في مقابل سكوتها أمام العدوان الصهيوني.

كذلك ما ينتج عن هذا الانقسام من تداعيات في ظلّ تهديدات العدو المستمرّة من إضعاف حالات التضامن بالأخصّ مع احتمالات النزوح.

ليس هدف هذا المقال تحليل نتائج هذا الانقسام، بل السعي إلى الغوص في عمقه والذي يحاكي مسألة الهوّية وإعادة تشكيلها حول مسألة الرمز، الأيديولوجيا اللبنانية، والمقاومة.

الرمز والهوّية اللبنانية والأثر

تمثّل صخرة الروشة رمزاً أساسياً من رموز الأيديولوجيا اللبنانية، حيث أنها تظهر في كل دعاية سياحية عن لبنان، وهذا ما يربطها مباشرة في التعبير عن هوّية لبنان الخدماتية والسياحية التي رسمتها ورسّختها البرجوازية اللبنانية منذ اللحظات الأولى لتشكّل لبنان.

ليصبح هذا المعلَم رمزاً يعيد تشكيل الأيديولوجيا اللبنانية نفسها، ومعرّفاً للهوّية بما تحمل من تغييب للرموز أيضاً، وبالتالي الهوّيات الأخرى المتناقضة مع تلك الهوّية.

هذا ما يصبّ في الانفعال الذي حدث من قبل رئيس الحكومة مع رفض إضاءة الصورة على الصخرة، بما تمثّله من رمز نقيض للهوّية اللبنانية المتخيّلة.

وليس كما الحجّة التي يدّعيها والمرتبطة بالأملاك العامة، إذ إنّ السلطة السياسية بيّاعة للأملاك والسيادة تحت اسم بيع أصول الدولة والاستثمار في موارد المجتمع بما يتناسب مع آليات مراكمة الثروة.

إنّ تغييب الرموز والهوّيات المتناقضة مع الهوّية اللبنانية المتخيّلة، لا يقتصر فقط على حركات المقاومة بل يمتدّ مجتمعياً إلى قهر الذاكرة الجماعية وتفتيتها، مثل تغييب الحركات العمّالية والطلابية عن سردية التاريخ الرسمية المتمثّل في كتاب التاريخ الرسمي، وغيرها الكثير.

وإنّ هذا التغييب يحدث عبر عملية صراع وقهر يعيد تشكيل تعريف الأحداث ضمن سرديات منقسمة عمودياً، تسمح بإعادة إنتاج الأيدولوجيا اللبنانية التي تمثّل الطبقة المستفيدة من بنية النظام اللبناني الاقتصادي-السياسي الكولونيالي.

ومن هذا المنطلق يصبح الانقسام الذي حدث مع إضاءة صخرة الروشة، ظاهرة انقسام ابستمولوجية-سياسية ضمن عملية إعادة تعريف الحرب من علاقة ما بين احتلال شعب إلى صراع ما بين الحزب والدولة.

لتعكس من جهة تناقض حزب الله، ما بين كونه حزباً في النظام اللبناني وجزءاً من ديناميكيات إعادة إنتاجه، وما بين كونه حاملاً لرعاية المقاومة وتحقيق التحرّر.

الحزب ما بين النظام والمقاومة

تَبرز إشكالية حول قرار الحزب إضاءة الصورة على صخرة الروشة بالذات؛ لعلّ إضاءة الصورة على مبنى تعرّض للعدوان، تمثّل السياق الذي تمّ اغتيال السيّد فيه كرمز للمقاومة أكثر بكثير من صخرة الروشة، إلا أنه في اختيار الصخرة كمَعلم رمزي متعلّق بهوّية لبنان الكيان، يجعل من هذا القرار قراراً يصبّ في لبْننة السيّد حسن، أي تثبيت رمزيّته ضمن الهوّية اللبنانية كشخصية وطنية تاريخية.

وهذا ما جعل رئيس الحكومة يؤدّي دور مدافع عن الأيديولوجية اللبنانية عبر رموزها التي تمثّل الهوّية الخدماتية والتي تتقاطع مع اتّجاهات الهيمنة الجيوسياسية الغربية.

وإنّ هذا التناقض يعود في خضمّه إلى أزمة ابستمولوجية في تعريف الذات والهوّية للاتّجاهات المختلفة حول ما تراه في هوّية لبنان-الكيان. وإنّ قرار الحزب إضاءة الصورة في هذه اللحظة السياسية بالذات، بالأخصّ مع ما حملت من دلالة إضاءة صورة الحريري الأب والابن، تعبّر عن تغيّر في موازين القوى في النظام السياسي اللبناني بعد وقف إطلاق النار.

إنّ تلك الإضاءة تمثّل سعي الحزب في استرداد موقعه في النظام السياسي عبر الإضاءة على علاقة كانت قائمة، حتى لو كانت صراعية إلا أنها كانت تمثّل ستاتيكو، كان قائماً في النظام ضمن موازين القوى في مرحلة الحريري الأب والابن. وهذا ما يعكس تموضع الحزب من كونه معارضاً للحكومة وليس للنظام، أي علاقة السلطة بالمجتمع.

التحرّر كفعل نقيض

هذا ما يطرح إشكالية المقاومة كمفهوم، كونها تسعى إلى مقاومة المحتل في مقابل الحفاظ على ما هو قائم. إلا أنّ المعضلة الأساسية هي أنّ الواقع متغيّر، وأنّ هذا التغيّر غير منعزل عن أدوات الهيمنة وتطوّرها تاريخياً، إذ إنّ السلطة في لبنان لا يمكن فهمها وتحليلها دون بنيتها الكولونيالية، وليس على المستوى السياسي فقط، بل يمتدّ ذلك إلى البنية القاعدية مادياً ومعرفياً وأشكال انتظام المجتمع وكذلك كيفية إنتاجه المعرفة وعلاقتها بإنتاج الرموز والهوّية حتى اختيار صخرة الروشة بالذات.

إنّ الدولة الطائفية الكولونيالية، كأحد أشكال البنيان في المجتمع، تعيد إنتاج الانقسام كما تعيد إنتاج الهيمنة عبر هذا الانقسام بالذات، وهذا ما يشكّل تناقضاً ما بين التحرّر والاستعمار، وأسمّيها المقاومة التحرّرية، التي تصيب النظام نفسه بثورة اجتماعية، وما بين المقاومة الآنيّة التي تشكّل جزءاً من هذا البنيان/«الدولة» وتسعى إلى المحافظة عليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *