أخبار عربية

محور المقاومة: حيّ يستنهض الأمة و العشائر العربية من الاقتتال الداخلي الى الخارجي

كتب محمد كوراني

رغم كل التحليلات المتعجّلة التي بشّرت بانكفاء محور المقاومة أو تراجعه، ورغم كل الضغوط الهائلة السياسية والعسكرية والاقتصادية التي سُلّطت عليه منذ سنوات، فإنّ الوقائع الجارية في المنطقة اليوم تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أنّ محور المقاومة لا يزال موجودًا، حيًّا، فاعلًا، وأنه دخل مرحلةً جديدة من المواجهة مع العدو الصهيوني، هي الأخطر وربما الأهم منذ عقود.

خلط أوراق المنطقة: من الدفاع إلى المبادرة

لم يعُد محور المقاومة يكتفي بالردود الموضعية أو بالحفاظ على خطوطه الدفاعية، بل تحوّل إلى قوة مبادرة من خلال استنهاض الامة الاسلامية، هي تُربك حسابات العدو وتخلط أوراق المنطقة. ما شهدناه منذ تخبط العربي في احداث سويداء كان بدايةً لانقلاب استراتيجي، حيث أُجبر العدو على خوض معركة لا يستطيع أن يربحها ولا أن يخرج منها سالمًا سياسيًا أو عسكريًا أو أخلاقيًا. بل إنّ العدو نفسه بات يعترف، بلسان قادته، أن الحرب الحالية “لا تشبه ما سبق”، وأنها “نزفت صورة إسرائيل” أمام العالم.

انخراط العشائر العربية: جبهة الهوية والانتماء

في تطوّر غير مسبوق، شهدنا انخراط عشائر عربية في معادلة المواجهة، سواء على مستوى فلسطين أو العراق أو سوريا. هذا التحول يُعيد الصراع إلى طبيعته الأصلية: صراع وجود، لا حدود؛ صراع أمّة، لا فصيل؛ صراع هويّة، لا سياسة آنية. دخول العشائر في هذا المسار هو عودة للروح الأصيلة في مجتمعاتنا، وهو ما أربك العدو الذي لطالما راهن على تفتيت النسيج الاجتماعي في المنطقة.

من ثلاث جبهات إلى خمس: توسّعٌ في الجغرافيا والميدان

إذا كانت الجبهات التقليدية لمحور المقاومة هي فلسطين، لبنان، وسوريا، فإنّ المشهد اليوم يكشف عن امتداد واضح نحو الاردن والمصر، بل وإلى ما هو أبعد من ذلك عبر أذرع إلكترونية، إعلامية، ودبلوماسية، تُشارك في هذه الحرب المفتوحة. نحن أمام خمس جبهات نشطة ومتفاعلة، لكلٍّ منها وظيفتها في استنزاف العدو، وخلخلة أمنه، وتفكيك جبهته الداخلية، وكشف هشاشة ادعاءاته.

اللعبة الخطيرة: قواعد اشتباك تتبدّل

محور المقاومة لم يكتفِ بتوسيع الجبهات، بل فرض قواعد اشتباك جديدة. لم يعُد العدو آمنًا في عمق كيانه، ولا مرتاحًا على حدوده، ولا مطمئنًا إلى موانئه ولا مطاراته. كل هذا جرى من دون إعلان حرب شاملة، لكن تحت عنوان “الحرب الشبه مفتوحة”، وهي لعبة خطيرة يعرف العدو أنها تآكلٌ دائم، واستنزاف زاحف، وتغيير تدريجي في ميزان الردع.

فضيحة الكيان: انكشاف المشروع الصهيوني

لقد أدّى أداء العدو في الحرب إلى فضيحة مدوّية. فبدل أن يُظهر نفسه كـ”دولة متقدمة تدافع عن نفسها”، بات مكشوفًا ككيان استيطاني إرهابي مجرم، يرتكب المجازر بلا رادع، ويتمادى في الجنون بلا منطق. وقد انقلبت عليه حتى بعض نخب الغرب، وبدأت موجة الوعي الشعبي العالمي تنمو، وتنقض أساطير “أخلاقيته” المزعومة. وهذه نقطة تُحسب لمحور المقاومة، الذي صبر كثيرًا، وأحسن توظيف اللحظة التاريخية.

تبدّل الأدوار: ديناميكية البقاء

قد يظنّ البعض أنّ غياب بعض الأسماء أو التبدّل في أدوار بعض القوى هو علامة ضعف أو تشتت. لكن الحقيقة أنّ ما يجري هو إعادة ترتيب داخلية ذكية داخل المحور. هناك توزيع جديد للأدوار، بروز عناصر جديدة، وخلط مدروس للأوراق، بما يتناسب مع طبيعة المرحلة المقبلة. إنها ديناميكية البقاء والتكيّف التي تُثبت أن المحور ليس جمودًا عقائديًا، بل مشروعٌ حيّ يستجيب للمتغيرات، ويتفاعل مع التطورات.

محور المقاومة اليوم ليس فقط موجودًا، بل هو فاعل ومتطوّر، وقد أثبت أن رهانات تفكيكه أو إنهائه كانت ساذجة. بل على العكس، نحن اليوم أمام مرحلة مفصلية قد تكون حاسمة، تفتح باب التحوّلات الكبرى في المنطقة، وتُمهّد لانهيار صورة العدو، وربما ما هو أكثر من الصورة.
وإذا كان العدو لا يملك سوى القوة العارية والمجازر، فإنّ المحور يملك الزمن، والصبر، والإرادة، وحاضنته الشعبية، وهذا وحده كفيلٌ بتغيير وجه التاريخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *